كتّاب جزائريون "يعودون" إلى السنة الأولى ابتدائي
جميلة طلباوي: كانت دموعي سخية في أول يوم من الدخول المدرسي...جميلة طلباوي : صحفية من اذاعة بشار
الأربعاء 10 سبتمبر 2014 117 5
الطفولة تلك السنديانة التي نظل نتفيّأ بظلالها، مهما تقدّم بنا العمر ورمينا من سنواته في هوة الزمن السحيقة سنظل نرضع لحاف جدعها لبنا من المتعة كلّما أعدنا شريط الذكريات. طفولتي كانت رائعة جدا لكوني كنت صغرى إخوتي، حظيت بحنان كبير من والدي ووالدتي وبحبّ كبير من أخي الأكبر(الذي فارق الحياة بعد ذلك في عز شبابه رحمه الله) وأختي الكبرى، كانت لي عوالمي الخاصة التي حاول أخوي إثراءها كل حسب ميوله، أختي التي كانت تكتب الأوبيرات في متوسطتها، تردّد أمامي المقاطع فأحفظها وأتقمّص الأدوار، تردّد بعض أبيات المعلّقات فتجدني قد حفظتها عن دهر قلب فتسعد أمّي وتسعد كلّ العائلة بهذه القدرة على الحفظ. ولأنّني كنت حبيبة أمّي لم تفكر أن تسجلني في روضة الأطفال كباقي رفيقاتي ولا فكرت في إدخالي إلى الكتّاب كباقي صبايا وصبيان حيّنا اعتقادا منها بأنّ الجو التعليمي الذي يوجده لي شقيقي وشقيقتي كاف كي أبقى معها نستمتع سوية بلحظات جميلة، لم نكن نتفارق أبدا. أمّي كانت رائعة الجمال، انتبهت رغم صغر سنّي يومها إلى سحر خاص في عينيها الخضراوين كنت أفخر بين رفيقاتي وأنا أردّد : أمّا شحال شابّة. ويوم بدأت تحضّرني لدخول عالم المدرسة لأوّل مرّة بدأ قلق ما يدبّ في نفسي، أذكر ذلك جيّدا وبدأت أطرح الأسئلة الصغيرة يومها، هل سأترك قطّتي الحبيبة وألعابي الجميلة، وأهمّ سؤال طرحته يومها: هل سأكون في مكان لا تكون فيه أمّي؟ لذلك كانت دموعي سخية في أول يوم من الدخول المدرسي رغم ما جلبه والدي من أكلات لذيذة كم كنت أحبّها في طفولتي، لم أجد لذّة لكأس الحليب وخبز الدار الذي كانت تطهوه يومها أمّي في الفرن الطيني،كان بكائي حارّا، لم تفلح محاولات شقيقي وشقيقتي في إغرائي بالمستقبل الذي ينتظرني، ولازالت صورة عالقة في ذهني لحظة اتخذت قراري بأن أذهب إلى المدرسة شرط أن تبقى أمّي معي، وافقت أمي، لبست "الحايك" الجميل وأمسكت بيدي، كنت أفرح كثيرا حين تمسك بيدي، إحساس أتفهمّه اليوم بعد رحيلها رحمها الله بأنّه بوجودها كنت أملك الدنيا بكاملها. رافقتني والدتي إلى مدرسة يحي محمود للبنات بحيّ الدبدابة، بعد أن ألبستني مئزري الذي تكوّنت بيني وبينه علاقة حبّ كبيرة، هي فصل شهي من فصول طفولتي الجميلة، خاصّة حين كنت ألبسه وأتقمّص دور المعلّمة، أسبلت والدتي ضفيرتي شعري، ومشينا وكلّي ثقة بأنّها ستكون إلى جانبي لا تفارقني أبدا. هنا حدثت لي أوّل صدمة في حياتي حين رفض المدير أن تدخل معي والدتي إلى القسم، لم أكف عن البكاء، لكن معلّمتي الغالية التي لست أنساها أبدا السيدة فيقيق خيرة وكنت أراها لأوّل مرّة وصارت حبية إلى قلبي إلى يومنا هذا، لا أدري كيف بادرت باقتراح فكرة أن تبقى أّمّي إلى جانب الحارس وأجلستني في المقعد الأول كي أتمكّن من رؤية "امّا "الغالية، والصورة التي لا يمكن أن تمّحي من ذاكرتي هي حين خرجت من القسم ووجدت أمّي لم تغادر مكانها، هذه الصورة التي تعني لي أكثر من شيء كلّما جالت بدهني، هي صورة تربّت على أوجاعي وتعيد لي الشعور بالأمان في هذه الحياة.